منتديات تاج السمو
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


مرحباً زائر, نحن سعيدون جداً بزيارتك للمنتدى.
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  أحلى خدمة  

 

  مَنْزِلَةُ الْحِكْمَةِ

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
لمست بنوتة.
عضو جديد
عضو جديد



عدد المساهمات : 20
نقاط : 30
تاريخ التسجيل : 08/03/2013

  مَنْزِلَةُ الْحِكْمَةِ Empty
مُساهمةموضوع: مَنْزِلَةُ الْحِكْمَةِ     مَنْزِلَةُ الْحِكْمَةِ Emptyالجمعة مارس 08, 2013 4:50 pm

مقالات وأبحاث - مختارات من كتب ابن
القيم


وَمِنْ مَنَازِلِ
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ الْحِكْمَةِ.

قَالَ اللَّهُ
-تَعَالَى-: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن
يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرً‌ا
كَثِيرً‌ا} [البقرة: 269].

وَقَالَ -تَعَالَى-: {وَأَنزَلَ اللَّـهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّـهِ
عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النِّساء: 113]، وَقَالَ عَنِ الْمَسِيحِ -عَلَيْهِ
السَّلَامُ-: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَ‌اةَ وَالْإِنجِيلَ} [آل عمران: 48].

الْحِكْمَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ
نَوْعَانِ: مُفْرَدَةٌ. وَمُقْتَرِنَةٌ بِالْكِتَابِ. فَالْمُفْرَدَةُ: فُسِّرَتْ
بِالنُّبُوَّةِ، وَفُسِّرَتْ بِعِلْمِ الْقُرْآنِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-:
"هِيَ عِلْمُ الْقُرْآنِ: نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ، وَمُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ.
وَمُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ. وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ.
وَأَمْثَالِهِ".

وَقَالَ
الضَّحَّاكُ: "هِيَ الْقُرْآنُ وَالْفَهْمُ فِيهِ".

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "هِيَ الْقُرْآنُ وَالْعِلْمُ
وَالْفِقْهُ". وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ: "هِيَ الْإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ
وَالْفِعْلِ".

وَقَالَ
النَّخَعِيُّ: "هِيَ مَعَانِي الْأَشْيَاءِ
وَفَهْمُهَا".

وَقَالَ الْحَسَنُ:
"الْوَرَعُ فِي دِينِ اللَّهِ". كَأَنَّهُ فَسَّرَهَا بِثَمَرَتِهَا
وَمُقْتَضَاهَا.

وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الْمَقْرُونَةُ بِالْكِتَابِ: فَهِيَ
السُّنَّةُ. وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ
الْأَئِمَّةِ.

وَقِيلَ: هِيَ الْقَضَاءُ بِالْوَحْيِ. وَتَفْسِيرُهَا
بِالسُّنَّةِ أَعَمُّ وَأَشْهَرُ.

وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي الْحِكْمَةِ.
قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَمَالِكٍ: "إِنَّهَا
مَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَالْعَمَلُ بِهِ. وَالْإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ
وَالْعَمَلِ".

وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِفَهْمِ الْقُرْآنِ،
وَالْفِقْهِ، فِي شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، وَحَقَائِقِ
الْإِيمَانِ.

وَالْحِكْمَةُ حِكْمَتَانِ: عِلْمِيَّةٌ، وَعَمَلِيَّةٌ.
فَالْعِلْمِيَّةُ: الِاطِّلَاعُ عَلَى بَوَاطِنِ الْأَشْيَاءِ. وَمَعْرِفَةُ
ارْتِبَاطِ الْأَسْبَابِ بِمُسَبِّبَاتِهَا، خَلْقًا وَأَمْرًا. قَدَرًا
وَشَرْعًا.

وَالْعِلْمِيَّةُ كَمَا قَالَ
صَاحِبُ "الْمَنَازِلِ": "وَهِيَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي
مَوْضِعِهِ".

قَالَ: وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: أَنْ تُعْطِيَ كُلَّ
شَيْءٍ حَقَّهُ وَلَا تَعُدِّيَهُ حَدَّهُ، وَلَا تُعَجِّلَهُ عَنْ وَقْتِهِ، وَلَا
تُؤَخِّرَهُ عَنْهُ.

لَمَّا كَانَتِ الْأَشْيَاءُ لَهَا مَرَاتِبُ
وَحُقُوقٌ، تَقْتَضِيهَا شَرْعًا وَقَدَرًا. وَلَهَا حُدُودٌ وَنِهَايَاتٌ تَصِلُ
إِلَيْهَا وَلَا تَتَعَدَّاهَا. وَلَهَا أَوْقَاتٌ لَا تَتَقَدَّمُ عَنْهَا وَلَا
تَتَأَخَّرُ كَانَتِ الْحِكْمَةُ مُرَاعَاةَ هَذِهِ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ. بِأَنْ
تُعْطَى كُلُّ مَرْتَبَةٍ حَقَّهَا الَّذِي أَحَقَّهُ اللَّهُ بِشَرْعِهِ
وَقَدَرِهِ. وَلَا تَتَعَدَّى بِهَا حَدَّهَا. فَتَكُونَ مُتَعَدِّيًا مُخَالِفًا
لِلْحِكْمَةِ. وَلَا تَطْلُبُ تَعْجِيلَهَا عَنْ وَقْتِهَا فَتُخَالِفَ
الْحِكْمَةَ. وَلَا تُؤَخِّرُهَا عَنْهُ فَتُفَوِّتَهَا.

وَهَذَا حُكْمٌ
عَامٌّ لِجَمِيعِ الْأَسْبَابِ مَعَ مُسَبَّبَاتِهَا شَرْعًا وَقَدَرًا.
فَإِضَاعَتُهَا تَعْطِيلٌ لِلْحِكْمَةِ بِمَنْزِلَةِ إِضَاعَةِ الْبَذْرِ وَسَقْيِ
الْأَرْضِ.

وَتَعَدِّي الْحَقِّ: كَسَقْيِهَا فَوْقَ حَاجَتِهَا، بِحَيْثُ
يَغْرِقُ الْبَذْرُ وَالزَّرْعُ وَيَفْسُدُ.

وَتَعْجِيلُهَا عَنْ وَقْتِهَا:
كَحَصَادِهِ قَبْلَ إِدْرَاكِهِ وَكَمَالِهِ.

وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْغِذَاءِ
وَالشَّرَابِ وَاللِّبَاسِ: إِخْلَالٌ بِالْحِكْمَةِ، وَتَعَدِّي الْحَدِّ
الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ، خُرُوجٌ عَنْهَا أَيْضًا. وَتَعْجِيلُ ذَلِكَ قَبْلَ
وَقْتِهِ: إِخْلَالٌ بِهَا. وَتَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِهِ: إِخْلَالٌ
بِهَا.

فَالْحِكْمَةُ إِذًا: فِعْلُ مَا يَنْبَغِي، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي
يَنْبَغِي، فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَنْبَغِي.

وَاللَّهُ تَعَالَى أَوْرَثَ
الْحِكْمَةَ آدَمَ وَبَنِيهِ. فَالرَّجُلُ الْكَامِلُ: مَنْ لَهُ إِرْثٌ كَامِلٌ
مِنْ أَبِيهِ، وَنِصْفُ الرَّجُلِ -كَالْمَرْأَةِ- لَهُ نِصْفُ مِيرَاثٍ،
وَالتَّفَاوُتُ فِي ذَلِكَ لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ
تَعَالَى.

وَأَكْمَلُ الْخَلْقِ فِي هَذَا: الرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ
وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ. وَأَكْمَلُهُمْ أُولُو الْعَزْمِ. وَأَكْمَلُهُمْ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلِهَذَا امْتَنَّ اللَّهُ
-سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَلَيْهِ، وَعَلَى أُمَّتِهِ بِمَا آتَاهُمْ مِنَ
الْحِكْمَةِ. كَمَا قَالَ -تَعَالَى-:
{وَأَنزَلَ اللَّـهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا
لَمْ تَكُن تَعْلَمُ} [النِّساء: 113]. وَقَالَ -تَعَالَى-: {كَمَا أَرْ‌سَلْنَا فِيكُمْ رَ‌سُولًا
مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151].

فَكُلُّ نِظَامِ الْوُجُودِ مُرْتَبِطٌ
بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَكُلُّ خَلَلٍ فِي الْوُجُودِ، وَفِي الْعَبْدِ فَسَبَبُهُ:
الْإِخْلَالُ بِهَا. فَأَكْمَلُ النَّاسِ: أَوْفَرُهُمْ نَصِيبًا. وَأَنْقَصُهُمْ
وَأَبْعَدُهُمْ عَنِ الْكَمَالِ: أَقَلُّهُمْ مِنْهَا مِيرَاثًا.

وَلَهَا
ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: الْعِلْمُ، وَالْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ.

وَآفَاتُهَا
وَأَضْدَادُهَا: الْجَهْلُ، وَالطَّيْشُ، وَالْعَجَلَةُ.

فَلَا حِكْمَةَ
لِجَاهِلٍ، وَلَا طَائِشٍ، وَلَا عَجُولٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَشْهَدَ
نَظَرَ اللَّهِ فِي وَعْدِهِ. وَتَعْرِفَ عَدْلَهُ فِي حُكْمِهِ. وَتَلْحَظَ
بِرَّهُ فِي مَنْعِهِ.

أَيْ تَعْرِفُ الْحِكْمَةَ فِي الْوَعْدِ
وَالْوَعِيدِ، وَتَشْهَدُ حُكْمَهُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ
ذَرَّ‌ةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرً‌ا
عَظِيمًا} [النِّساء: 40] . فَتَشْهَدُ عَدْلَهُ فِي وَعِيدِهِ،
وَإِحْسَانَهُ فِي وَعْدِهِ، وَكُلٌّ قَائِمٌ بِحِكْمَتِهِ.

وَكَذَلِكَ
تَعْرِفُ عَدْلَهُ فِي أَحْكَامِهِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْكَوْنِيَّةِ الْجَارِيَةِ
عَلَى الْخَلَائِقِ، فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ فِيهَا، وَلَا حَيْفَ وَلَا جَوْرَ.
وَإِنْ أَجْرَاهَا عَلَى أَيْدِي الظَّلَمَةِ. فَهُوَ أَعْدَلُ الْعَادِلِينَ.
وَمَنْ جَرَتْ عَلَى يَدَيْهِ هُوَ الظَّالِمُ.

وَكَذَلِكَ تَعْرِفُ بِرَّهُ
فِي مَنْعِهِ.

فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْجَوَادُ الَّذِي لَا يُنْقِصُ
خَزَائِنَهُ الْإِنْفَاقُ، وَلَا يَغِيضُ مَا فِي يَمِينِهِ سَعَةُ عَطَائِهِ.
فَمَا مَنَعَ مَنْ مَنَعَهُ فَضْلَهُ إِلَّا لِحِكْمَةٍ كَامِلَةٍ فِي ذَلِكَ.
فَإِنَّهُ الْجَوَادُ الْحَكِيمُ. وَحِكْمَتُهُ لَا تُنَاقِضُ جُودَهُ. فَهُوَ
سُبْحَانَهُ لَا يَضَعُ بِرَّهُ وَفَضْلَهُ إِلَّا فِي مَوْضِعِهِ وَوَقْتِهِ.
بِقَدْرِ مَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ. وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ
لَفَسَدُوا وَهَلَكُوا. وَلَوْ عَلِمَ فِي الْكُفَّارِ خَيْرًا وَقَبُولًا
لِنِعْمَةِ الْإِيمَانِ، وَشُكْرًا لَهُ عَلَيْهَا، وَمَحَبَّةً لَهُ وَاعْتِرَافًا
بِهَا، لَهَدَاهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ. وَلِهَذَا لَمَّا قَالُوا
لِلْمُؤْمِنِينَ {أَهَـٰؤُلَاءِ مَنَّ
اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا} [الأنعام: 53] أَجَابَهُمْ بِقَوْلِهِ: {أَلَيْسَ اللَّـهُ بِأَعْلَمَ
بِالشَّاكِرِ‌ينَ} [الأنعام: 53] .

سَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ
-قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ- يَقُولُ: "هُمُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ قَدْرَ نِعْمَةِ
الْإِيمَانِ، وَيَشْكُرُونَ اللَّهَ عَلَيْهَا".

فَهُوَ سُبْحَانَهُ مَا
أَعْطَى إِلَّا بِحِكْمَتِهِ. وَلَا مَنْعَ إِلَّا بِحِكْمَتِهِ، وَلَا أَضَلَّ
إِلَّا بِحِكْمَتِهِ.

وَإِذَا تَأَمَّلَ الْبَصِيرُ أَحْوَالَ الْعَالَمِ
وَمَا فِيهِ مِنَ النَّقْصِ: رَآهُ عَيْنَ الْحِكْمَةِ. وَمَا عَمَرَتِ الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةُ وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ إِلَّا بِحِكْمَتِهِ.

وَفِي
الْحِكْمَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلنَّاسِ.

أَحَدُهَا: أَنَّهَا مُطَابَقَةُ عِلْمِهِ لِمَعْلُومِهِ، وَإِرَادَتِهِ
وَمَشِيئَتِهِ لِمُرَادِهِ. هَذَا تَفْسِيرُ الْجَبْرِيَّةِ. وَهُوَ فِي
الْحَقِيقَةِ نَفْيُ حِكْمَتِهِ. إِذْ مُطَابَقَةُ الْمَعْلُومِ وَالْمُرَادِ:
أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حِكْمَةً أَوْ خِلَافَهَا، فَإِنَّ السَّفِيهَ مِنَ
الْعِبَادِ: يُطَابِقُ عِلْمُهُ وَإِرَادَتُهُ لِمَعْلُومِهِ وَمُرَادِهِ. مَعَ
كَوْنِهِ سَفِيهًا.

الثَّانِي: -مَذْهَبُ الْقَدَرِيَّةِ النُّفَاةِ-: أَنَّهَا مَصَالِحُ
الْعِبَادِ وَمَنَافِعُهُمُ الْعَائِدَةُ عَلَيْهِمْ. وَهُوَ إِنْكَارٌ لِوَصْفِهِ
تَعَالَى بِالْحِكْمَةِ. وَرَدُّوهَا إِلَى مَخْلُوقٍ مِنْ
مَخْلُوقَاتِهِ.

الثَّالِثُ: -قَوْلُ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ وَالسُّنَّةِ-: أَنَّهَا
الْغَايَاتُ الْمَحْمُودَةُ الْمَطْلُوبَةُ لَهُ -سُبْحَانَهُ- بِخَلْقِهِ
وَأَمْرِهِ، الَّتِي أَمَرَ لِأَجْلِهَا، وَقَدَّرَ وَخَلَقَ لِأَجْلِهَا. وَهِيَ
صِفَتُهُ الْقَائِمَةُ بِهِ كَسَائِرِ صِفَاتِهِ: مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ،
وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَعِلْمِهِ وَحَيَاتِهِ
وَكَلَامِهِ.

وَلِلرَّدِّ عَلَى طَائِفَتَيِ الْجَبْرِيَّةِ
وَالْقَدَرِيَّةِ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تَبْلُغَ فِي اسْتِدْلَالِكَ الْبَصِيرَةَ. وَفِي
إِرْشَادِكَ الْحَقِيقَةَ. وَفِي إِشَارَتِكَ الْغَايَةَ.

يُرِيدُ أَنْ
تَصِلَ بِاسْتِدْلَالِكَ إِلَى أَعْلَى دَرَجَاتِ الْعِلْمِ. وَهِيَ الْبَصِيرَةُ
الَّتِي تَكُونُ نِسْبَةُ الْعُلُومِ فِيهَا إِلَى الْقَلْبِ كَنِسْبَةِ
الْمَرْئِيِّ إِلَى الْبَصَرِ. وَهَذِهِ هِيَ الْخِصِّيصَةُ الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا
الصَّحَابَةُ عَنْ سَائِرِ الْأُمَّةِ. وَهِيَ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْعُلَمَاءِ.
قَالَ -تَعَالَى-: {قُلْ هَـٰذِهِ
سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَ‌ةٍ أَنَا وَمَنِ
اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108] أَيْ أَنَا وَأَتْبَاعِي عَلَى
بَصِيرَةٍ.

وَقِيلَ {وَمَنِ
اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108] عَطْفٌ عَلَى الْمَرْفُوعِ بِأَدْعُو أَيْ أَنَا
أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ. وَمَنِ اتَّبَعَنِي كَذَلِكَ يَدْعُو إِلَى
اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ.

وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى
أَنَّ أَتْبَاعَهُ هُمْ أَهْلُ الْبَصَائِرِ الدَّاعِينَ إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ. فَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَ مِنْ أَتْبَاعِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ
وَالْمُوَافَقَةِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ أَتْبَاعِهِ عَلَى الِانْتِسَابِ
وَالدَّعْوَى.

وَقَوْلُهُ: وَفِي إِرْشَادِكَ الْحَقِيقَةَ

إِمَّا
أَنْ يُرِيدَ: أَنَّكَ إِذَا أَرْشَدْتَ غَيْرَكَ تَبْلُغُ فِي إِرْشَادِهِ إِلَى
الْحَقِيقَةِ، أَوْ تَبْلُغُ فِي إِرْشَادِ غَيْرِكَ لَكَ إِلَى الْحَقِيقَةِ،
وَلَا تَقِفُ دُونَهَا.

فَعَلَى الْأَوَّلِ: الْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى
الْفَاعِلِ، وَعَلَى الثَّانِي: إِلَى الْمَفْعُولِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّكَ
تَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْوُجُودِ الَّذِينَ إِذَا أَشَارُوا لَمْ يُشِيرُوا إِلَّا
إِلَى الْغَايَةِ الْمَطْلُوبَةِ الَّتِي لَيْسَ وَرَاءَهَا
مَرْمَى.

وَالْقَوْمُ يُسَمُّونَ أَخْبَارَهُمْ عَنِ الْمَعَارِفِ وَعَنِ
الْمَطْلُوبِ إِشَارَاتٍ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ أَجَلُّ مَنْ أَنْ يُفْصَحَ عَنْهُ
بِعِبَارَةٍ مُطَابِقَةٍ، وَشَأْنُهُ فَوْقَ ذَلِكَ. فَالْكَامِلُ مَنْ إِشَارَتُهُ
إِلَى الْغَايَةِ. وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا لِمَنْ فَنِيَ عَنْ رَسْمِهِ
وَهَوَاهُ وَحَظِّهِ. وَبَقِيَ بِرَبِّهِ وَمُرَادِهِ الدِّينِيِّ الْأَمْرِيِّ
وَكُلُّ أَحَدٍ، فَإِشَارَتُهُ بِحَسَبِ مَعْرِفَتِهِ وَهِمَّتِهِ. وَمَعَارِفُ
الْقَوْمِ وَهِمَّتُهُمْ تُؤْخَذُ مِنْ إِشَارَتِهِمْ. وَاللَّهُ
الْمُسْتَعَانُ.

مدارج السَّالكين بين منازل إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين-
المجلد الثَّاني



http://www.wathakker.info/articles/view.php?id=1070
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
alfahloy
عضو مميز
عضو مميز



عدد المساهمات : 221
نقاط : 221
تاريخ التسجيل : 04/02/2013

  مَنْزِلَةُ الْحِكْمَةِ Empty
مُساهمةموضوع: رد: مَنْزِلَةُ الْحِكْمَةِ     مَنْزِلَةُ الْحِكْمَةِ Emptyالسبت مارس 09, 2013 1:39 pm

  مَنْزِلَةُ الْحِكْمَةِ DKlv1





موضوع رائع جدا
تسلم ايدك على الطرح المميز


في انتظار الجديد والمتميز منك


تحياتى







  مَنْزِلَةُ الْحِكْمَةِ W0Mn8
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صبر جميل
عضو ملكي
عضو ملكي
صبر جميل


عدد المساهمات : 1000
نقاط : 1032
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
الموقع : منتدى انور ابو البصل الاسلامي

  مَنْزِلَةُ الْحِكْمَةِ Empty
مُساهمةموضوع: رد: مَنْزِلَةُ الْحِكْمَةِ     مَنْزِلَةُ الْحِكْمَةِ Emptyالأحد مارس 10, 2013 4:23 pm

دام التألق ... ودام عطاء نبضك
لك مني كل التقدير ...!!
وبآنتظار روائع جديدك بكل شوق...!
ارق التحآيآ لك
ودي وعبق وردي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://anwarbasal.alamuntada.com/
 
مَنْزِلَةُ الْحِكْمَةِ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تاج السمو :: ₪... ..القسم العاإأآإأآم.. ...₪ :: ♣القسم الاسلامي ♣-
انتقل الى: