بسم الله الرحمن الرحيم
الديمقراطيـة المشــوهـة ؟.؟؟
شعوب الربيع تمر بمرحلة الشفاء .. وهي مرحلة أشد مرارة من مراحل الداء .. وآلام الجراحة قد تسكت في معية التخدير .. ولكن لا بد أن تأخذ نصيبها إذا زالت الآثار .. وليس الحال بعد الشفاء كالحال في أزمان العافية .. ومهما كانت قوة ومهارة الأطباء والزعماء .. ومهما كانت الآمال هي تلك الأحلام الوردية في ديمقراطية يظنها البعض أنها جالبة كل الخيرات .. والديمقراطية أرضية بمحاسنها وعيوبها .. لأنها بالضرورة إذا مورست بعدالة تنزع غطاء الأقلية وتحول دون أمنياتها لتغطي به هموم الأغلبية .. وتلك مؤلمة لفئة ومفرحة لأخرى .. فإذن لا بد أن يدرك الجميع بأنه ليس في الإمكان إرضاء كل إنسان .. والماضي كان فيه خيار الأقليات التي تجول وتصول بحكم التسلط .. ثم تدعي أنها بمعية 99% من أفراد الأمم .. والآن حان الدور لتتألم تلك الأقليات قليلاً في صحبة عدالة تفرضها الديمقراطية .. وفعلاَ هي سوف تفقد الكثير من الأرضيات والخيرات التي كانت تنعم بها ذات يوم .. واليوم نسمع أصوات أقليات تنطلق بقوة لتفرط واقعاَ لا يجاريه المنطق والعقل .. تريدها ديمقراطية مفصلة حسب قياساتها وليس حسب قياسات الأغلبية التي تملك الحق .. وتلك شائبة كريهة تلون ديمقراطية العرب .. وهناك المفهوم الشائع أن الشعوب العربية تفسر الديمقراطية حسب هواها وترى الديمقراطية هي الفوضى والبلطجة .. أما الديمقراطية لدى الشعوب المتقدمة هي احترام الحقوق وكفالة الأحقيات حسب الكم الذي يرجح إدارة دفـة الأمـور .. وليس حسب قوة الألسن والمحاججة .. تسقط الديمقراطية وهيبتها عندما نرى عقولاً كنا نظنها كبيرة اليوم تتخبط في أوحال السفاسف وتجتهد لتفسر الديمقراطية بأنها للأقليات مطلقاً بقوة الحنكة والكلام دون الأغلبية !! .. وذلك هو نفس منطق المتسلطين من قبل في الماضي الذين كانوا يدعون بأنهم يحتكمون بالديمقراطية وبمعية 99% من الأفراد .. والشجاعة ليست في النباح كالكلب في حالة فقدان الأكثرية من الأصوات .. ولكن الشجاعة في قبول واقع الحال والاجتهاد في كسب الأرضيات في المستقبل .. نرى اليوم واقع الحال في صراع تسقط فيه نفوس بريئة بسبب الأنانية المفرطة من البعض .. البعض الذي يريد أن يتواجد رغم أنف الآخرين حتى ولو كان الآخرون هم الأكثرية .. وتلك ليست ديمقراطية بل بلطجة وصورة مشوهة لمفهوم الديمقراطية .. وتلك الصور الكئيبة شاهدنا كثيراً من قبل وفي دولة مغربية عندما نالت الأغلبية أصواتاً محقة ثم منعت من حقها المكفول مما كلف الأمة مئات الآلاف من الأرواح الطاهرة وما زالت آثارها باقية .. ومن تلك التجربة المريرة كرهنا مسميات الديمقراطية في بلاد العرب .. لأنها ديمقراطيات تصاحبها الدماء .. وليس الحال كما هو في ديمقراطيات باقي شعوب العالم .. حيث التصرف الحضاري العالي الذي يرمز لإنسان العصر الواعي .. وحيث نحس بقيمة العقل لدى الفرد العادي من جماهيرهم ناهيك عن العقول المثقفة التي تقدس وتحترم رغبات الأكثرية .. أما هنا فمع الأسف الشديد حتى أصحاب المسميات التي تحمل الدكتورة تتصرف بعقول الأطفال الصغار .. ويسقط عن المقام بالرأي الغبي البليد مما تفقده شرف ذلك المسمى العالي .. والمقام ليس بالأوراق والشهادات ولكن بالتصرف الحضاري الذي يشرف الأمة ويرفع من مقامها . فمتى نرتقي لمصاف الأمم المتقدمة من حولنا .. ومتى يكون العقل هو الذي يقودنا إلى الأمام وليست تلك العواطف البهيمية المغروسة في الأمخاخ .